سيجال شـپيرا
هَوِيّة
وصلت إلى المحطة راكضة دون أن أنظر للوراء. لم آخذ معي سوى الخف، ذلك الشِبشب الذي أوصيت عليه أمي عند عزرا القندرجي صانع الأحذية في الحي اليهودي، أمسكته بكل ما أوتيت من طاقة وكأني أتشبث بابنتي أو ببيتي أو بآخر حصوني. تأملت قطع الجلد المتقاطعة بتناسق – اثر من أثار ذلك العالم الراسخ. كفاي اللتان كانتا تبحثان عن ملجأ من البرد دخلت إلى باطن الفروتين وكأنهما تدخلان في قفازين ثم عانقتا بدني، أحسست بدفء لذيذ وتصاعد رائحة الجلد إلى أنفي- أطبقت جفوني وارتاح رأسي على كتفي، كانت هذه رائحة مألوفة، رائحة كستني دائماً في دكان عزرا القندرجي الصغير، إلا أن تلك الرائحة كانت أشد نفاذاً ممزوجة برائحة الصمغ، التي كانت تتصاعد من علبة صفيح كبيرة، وبمرور الوقت أصبحت العلبة أشبه بالأعمدة الرخامية المتكونة من قطرات ماء في مغارة ذات ألوان بنية ورمادية، بطبقات قديمة غامقة وصلبة وعازلة وطبقات أخرى جديدة بوسع أشعة الشمس الضئيلة اقتحامها. تلك الأشعة التي كانت تتسلل إلى داخل الدكان مضيفة بعض التألق والخفة على الصمغ. كل يوم ولدت أعمدة صغيرة من يد صانع الأحذية الكادح، وانضمت لزميلاتها، ومنها أمكنك أن تعرف سن الدكان. مثلما تحصي الحلقات في جذع شجرة. في وسط الدكان انتصبت طاولة العمل المنخفضة وكانت تحتل معظم مساحة الدكان. تكدست على هذه الطاولة في فوضى شاملة الأدوات والمسامير، وقطع الجلد والأحذية. وكان الانتهاء من إعداد الأحذية منوطاً بإلحاح الزبائن، الذين كانوا يطالبون بأدب، بيد أن صبرهم كان ينفذ أحيانـا فيصرخون.
توقف الباص وهو يزفر زفرات موقعة ولم تترك رائحة الوقود التي أفعمت الهواء أي مجال لتلك الرائحة من الماضي الغابر. عجلت بالصعود ووضعت عدداً من القطع النقدية في يد السائق.
سألني – إلى أين؟
فأجبت – لست عارفاً .
ولفرط دهشتي أثارت هذه العبارة موجة من الضحك داخل الباص، لم تلائم مـزاجي حدقت بـأمل بوجه السائق . إلا أنه عجل أولاً ليلقي علي درساً قصيراً بالعبرية
- الولد يقول "لسـت عارفاً" البنت تقول "لست عارفة" . وأنت تريدين بالتأكيد السفر إلى المعبرة .
- نعم .
رددت بسرور وكأني عثرت على شخص أعرفه، كل عائلتي موجودة في المعبرة، ومن هناك أخذوني إلى عائلة حاضنة. تطوعت بالإحسان إلي. لكن أشواقي فاضت بداخلي. وذكرتني رائحة المطر بتلك الأمسيات التي كانت فيها عائلتي تجتمع حول السماور لشرب الشاي. كانت عادات العائلة الحاضنة غريبة علي، ولذا قررت أن أتسلل إلى الخارج، وان آخذ باصاً يقلني إلى المعبرة. لكن الأمر لم يكن سهلاً . فقد هبط الظلام على تل أبيب ومعه انهمر مطر غزير. تخطيت مستنقعات المطر التي كانت تتدفق من مجار مختلفة وطارئة إلى مكان مجهول أما عندي فقد كنت اعرف إلى أين أريد الذهاب. أو بالأصح إلى مَنْ أريد أن أسافر، إن أمي ستفتح عينيها مستغربة وستعانقني وتمطرني بفيض من الأسئلة مثل "أبدالك" (فديتك) كيف جئت بهذا المطر؟".
وتخلى لي شقيقاتي على الفور مكاناً في سريرهن المزدحم وسيلقني هذا الزحام بالحرارة، ابتسمت باتجاه الخف كنت لا أزال أتشبث به في قوة فهو مثلي يبحث عن مكان له داخل الخيمة الصغيرة.
زفر الباص لاهثاً، حاول تجاهل البرد المصاعد من حذائي الرطب، واقتحمت أنظاري الظلام بضيق ذرع لتعثرا على شيء مألوف في أقصى الطريق. لكن جهودي ضاعت أدراج الرياح، إذ أن المطر والظلام لم يتركا أملا في ذلك، كانت البروق والرعود يبثان الوحشة وقبع المسافرون داخل معاطفهم محافظين على حرارة أجسامهم. وتصاعد البخار من أفواههم وامتزج ببعضه وكسا زجاج النوافذ، وحال هذا الأمر بيني وبين كل صلة بالخارج. وطال السفر، وأصبحت الطرقات الرطبة المليئة بحفر الماء عقبة في وجه السائق وزفر الباص واجتاز بركاً من ماء المطر بينما ازداد تأرجحه وخضاته، حينئذ عرفت أننا في مداخل المعبرة، توقف السائق مصدراً من باصه صريراً ، وانفتحت الأبواب بصخب متقيئة من جوفها كل المسافرين .
to be continued
שלמה שפירא (1938) - בלוג של משורר
سيجال شـپيرا. هَوِيّة. وصلت إلى المحطة راكضة دون أن أنظر للوراء. لم آخذ معي سوى الخف، ذلك الشِبشب الذي أوصيت عليه أمي عند عزرا القندرجي صانع الأحذية في الحي ... israblog.co.il/blogread.asp?blog=292694 - דפים דומים