سيجال شـپيرا
ترجمه من العبرية : سمير نقاش
البستان
توغل كلامهم في قلبها لدرجة انه كاد يفقدها الصواب ومع ذلك فقد أبت أن تستجيب لنصيحتهم بل واصلت إدارة بيتها بإخلاص حيوان مروض ولكي تبعد عن نفسها الأفكار الشريرة التي تقضي على الروح والجسد كانت "أم دهود" تصعد إلى سطح بيتها بين الفينة والأخرى، لتنشر الغسيل وتجفف فواكه الموسم وكانت وهي على السطح تحدق بالسماء فتحس بان الله قرب منها وانه على قاب قوسين أو أدنى، ولم تستطع ضبط نفسها، ومثل تلك النخلة المطلة من البستان وذروتها في السـماء رفعت هي الأخرى كفيها، ولم تكن قامتها منتصبة كالنخلة، بل كانت منحنية في توسل اخرس "الهي أيها الناظر إلى دخائل عبيدك، انظر إليها وهي هناك على السطح مفعمة بالصلاة والحب، هلا تركت أعمالك لحظة الخاصة بشئون هذا العالم - للقضاء على الطغاة، وقلب الدول كالأوراق، ولتصحيح ظلم الشعوب والإتيان بالسلام. – فلينشر السلام في بيتها وليطهر قلب زوجها الياهو لحبها هي، لقد جفت على هذا السطح فواكه كثيرة حتى استجاب الرب لأمنياتها، هكذا آمنت، وها قد فتح لها أبواب السماء وهي أبواب الهجرة التي يأتي منها أيضا زوجها وبناتها وكل أبناء الطائفة من العجوز والى الطفل يمرون عن طريق هذه الأبواب أما تلك المرأة الشريرة فهي الثعلب التي تزرع الخراب ببستانها، فإنها ستبقى خارج الحدود . حثها الأمل والإيمان لان تسجل في قائمة المهاجرين وان تعدّ الحقائب وتولد من جديد.
كان ذلك صبحاً احتفالياً. سارت أم دهود وبناتها وأمها يرتدين احسن ثيابهن باتجاه الكنيس الذي جرى فيه التسجيل، وتواعدت مع زوجها على اللقاء هناك، وإذ شاهدت المبنى القديم الذي أضافت إليه السنين جمالاً ، ضاعفت من خطواتها وهي ما زالت تتساءل من مصدر طاقتها التي دفعتها إلى مثل هذه المبادرة والإتيان بعرض جريء كهذا إلى زوجها. وانفتح الباب الحديد الثقيل أمام الجمهور الكبير الذي تدفق إلى هناك. ولم يبد لزوجها اثر . فوقفت بين الجماهير يكسوها الأمل والانتظار لتحقق حلمها – إن زوجها سيأتي ويطبع اسمه بالقائمة بجوار اسمها، وإذاك سينقطع الحبل السري الذي يربطه بهذه الأرض وبحبيبته الغريبة.
مضى الوقت ولم يأت زوجها، حثتها أمها على الدخول قائلة "سيأتي بعد قليل لا تضيعي الوقت"، وكانت البنات يشعرن بالقوة المستوحاة من كلام جدتهن فسحبن أمهن إلى الداخل.
وفي الداخل وجدت نفسها واقفة أمام الموظف يدفعها الزحام وهي تُدفع كحبة شعير إلى مدار الرحى، لقد انتظروا ألفيّ عام بصبر وهي الآن تحثها الطريق إلى بلد إسرائيل، وسمعت أصواتا "هيا سجلي أو دعينا نسجل"، صاحت بها تلك الأصوات .
سجلت "أم دهود" بناتها تحت اسم أمهم، وسجلتهن الواحدة تلو الأخرى ببطء شديد وكأنها نسيت أسماءهن . وبين الفينة والأخرى كانت تتريث وكانت تنظر إلى الخلف حتى نهاية الطابور. وسجلت الاسم الثالث وكادت تتأسف على عدم وجود بنات أخريات لها كي تواصل التسجيل قبل أن يسجل اسمها أيضا بقائمة اللا عودة. وفكرت "نعم، اللاعائدون".
ألقت بنظرة أخيرة باتجاه الباب، فـربما تملأ هذا الباب هيئته الفارعة، فلو تحقق هذا الانتظار إذن تضيف اسمه بجانب اسمها لكن أناس آخرين تدفقوا من الباب، أجساما ورؤوس. ألقت "أم دهود" القلم من يدها، وتلمست طريقها إلى الخارج، كان واقفاً هناك ونظر إليها . ثم طأطأ رأسه وتوجه إلى البيت وهي مسحوبة وراءه فارغة. لقد عرفت - إن الطائرة كلها تقبع الآن تحت رحمة نسق ظالم من إسقاط الجنسية والتخلي عن الممتلكات والجذور . كانت هي الأخرى مستعدة للتخلي عن كل الخير الذي حباها به الله عز وجل، لكنها لم تفهم كيف استطاعت أن تتنازل عن جزء منها، عن لحم من لحمها، عن بناتها هي وقد فعلت هذا بملء يدها إنهن من الآن وصاعداً سيصبحن تحت رعاية جدتهن أمها التي تولت المجيء بهن إلى الأرض المقدسة، أما مكانها هي فسيظل بجوار زوجها وظلت تحوم من حوله دون أن تنبس بكلمة واحدة، ووضعت الأم لوعة أمومتها في حقيبة أعدتها لبناتها.
أصاب الحماس الذي أصاب الطائفة برمتـها، بناتها أيضا فلم تفهمن مغزى الانفصال والبعد إلا بعد أن أصبحن وراء الجدار في المطار. الباب الذي انطبق وراءهن انطبق بوجه أمهن من الجانب الآخر وكانت قد أفلحت بأن تهمس في آذانهن بجمل متقطعة لم يفهمن مغزاها بسبب سنهن الصغيرة وقلقهن. "إن الفسائل ستضرب جذورها في الأرض المقدسة وستينع هناك ، أما هنا فستبقى الشجرة، فستظل هنا جذوره ضاربة في الأرض الخصبة إلى حين
…" وخنقت الدموع التي أغرورقت عينيها، حنجرتها.
Continued (two)- to be continued
עוד תוצאות מתוך israblog.co.il »